• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

" حجر الكحل " للأستاذ محمود توفيق حسين: رؤية نقدية

وصال تقة


تاريخ الإضافة: 21/3/2013 ميلادي - 9/5/1434 هجري

الزيارات: 10647

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

"حجر الكحل" للأستاذ محمود توفيق حسين: رؤية نقدية


"هي وطفلها على السرير يعتصرُهما الحزن والقلق، وإحساسٌ ثقيل بالهمِّ يجثمُ على الصدر..".

 

هذه هي العبارة التي تستقبلُنا بها روايةُ الأستاذ "محمود توفيق حسين" البديعة: "حجر الكحل"، لتُحمِّلنا - من أول وهلة - مسؤولية الدفاع عن هذينِ المستضعفين، ونصرهما غالبينِ أو مغلوبين، وتَحمِلُنا عبر قوارب الخوف والقلق، ومشاعر الحزن الدفينة المتغلغلة في سراديب الخيبة، المشبعة بالوجع والهم الثقيل، لعبور حقيقة النفس البشرية وكوامنها، ونقاط ضعفها، ومكامن قوتها.

 

إنها أشجان الظلم، وآهات المغترب، قهرًا وظلمًا تستنزفه وتلتهم روحه.

 

"صابرة" والصبر لم ينافِ إباءها، ولم تستكن أمام التجبر، ولكن ما تفعل "قشَّة" أمام ريح عاتية تعصف بالأخضر واليابس؟! ما يفعل ظل امرأة اختلط بظل ابنها؛ كي يصنع طوفانًا يهزم الريح، لكنها اقتلعتْه فاهتزَّ وتبدل حاله، ولم يجد بدًّا من الهروب؟!

 

ما خيوط النور في دروبِها إلا ذبالة كذبالةِ مصباح على الأرض، يصنعُ لصاحبِه ظلاًّ يختلط فيه مع ظلال مَن حوله؛ فيجعله كماردٍ منتشر منكفئ مَهِيب، لكن الريحَ قد تعبث به، فتجعله في مهبِّها، فترتعد أوصاله، وتضطرب مذعورة، طالبةً النجاةَ من عتوِّها.

 

كان من الممكن أن تكون عودة "صابرة" إلى الوطن الأم، كعودة العنقاء التي تقوم من رمادها حين يعبرها جسد حي، لكنَّ إيابَها لوطنها لم يُعِدِ الروحَ لبقايا الرماد.

 

وحدَه الحنينُ يفعل المستحيل، يجعلُ الروح مضطربة، ولا سكن لها إلا بعبور جسور العودة، لكنها مُرغَمة كانت على العودة، وبقايا عطرها قد بقيتْ عالقة هناك؛ حيث روح المرحوم "مصبح"، وروحها المتلبسة بالضغينة والنقمة على أبنائه تؤجِّج نار الثأر في أحشائها وأحشاء ابنها من بعدها، وذلك الإحساس بالهزيمة، والحور بعد الكور؛ كان يسير بها بخطى حثيثة نحو معانقة الموت.

 

كان من الممكن أن تعمل فيها كلماتُ أبيها: "كما عملتْ فيَّ، وجعلتني أذرفُ المدامع، وأعده - عوضًا عنها - أن أبقى متشبِّثة بالحياة!".

 

"وها قد عشت كأجملِ وردة، بقيت وأحرجت الخبيرات، رغم أنك وقتها لم تعرفي بعدُ قيمةَ الحياة، تصرفي كوليدةٍ، إذًا، لا حول لها ولا قوة، فيحييك الله..".

 

لكن الصدمة كانتْ قوية، والعاصفة أعتى من أن يتحمَّلها جسدها المخملي الرقيق، وكيف لها أن تتصرف كوليدة الآن، وقد صارت تعلم قيمة الحياة وقسوة الحياة، وباتت تفهم معاني الخيبة وقواميس الخذلان؟!

 

كانتْ فعلاً تدحرج إلى الموت رغمًا عنها؛ فليس للوردِ مرج أمام الطوفان، ثم ها هو ابنها، يريد العودة إلى مسقط رأسه، غنيًّا ثريًّا مسموعَ الكلمة محفوفًا، وكانت هذه الأشياء وحدَها كفيلة بأن تكون في حدِّ ذاتها انتقامًا، لكنه يصر على أن يغسلَ يديه بالدماء؛ لتستكينَ روحُه المضطربة المحلِّقة مذ خرج مطرودًا وأمه من مملكته، فصارتْ ذكرياته فيها مرتبطة بالألم، سارجة في الإحساس بالضعف والاستضعاف أمام تجبر وتسلط رجولة على أنوثة وعلى طفولة، كان من المفترض أن تكون لهما السند والمعين بعد الله، حتى إذا ما تمكَّن منه الغل، وحجبتْ عينيه غشاوةُ الثأر والانتقام، وتيسَّرت له سبل تحقيق حلمِه المصاحب له مذ وعى بالدنيا، سخَّرت له الأقدار ما يجلي عن عينيه الغشاوة، كـ "حجر الكحل" يجلي البصر، ويحفظ صحة العين، ويُذهِب وسخ قروحها، ويحببها إلى القلوب، وما من سبيل إلى استمداد منافعه إلا بكسرِه ودق جزيئاته.

 

إن ما يمطرك بالدهشة والانبهار في هذه الخريدة الباسقة المتنطِّسة في سماء الرواية، هو ذاك البعد الإنساني الفلسفي، الذي جاءتْ تفاصيله بسيطة انسيابية، ترافق الأحداث، وتوافق بساطة تفكير الشخصيات وتعليمهم ووضعهم، بأسلوب رشيقٍ، ومقدرة هائلة على توليد الأفكار وجعلها متسلسلة، وفي إيقاعٍ وجرس موسيقيٍّ هادئ تارة، وصاخب مرَّات؛ من أجل سبر أغوار النفس البشرية المتقلِّبة بين مكامن القوة وسقطات الضعف، وبين دوافع الخير وقبضة الشر المحدقة، تتنازعها في صراع سرمدي، وذلك الارتحال بين مدارس الحياة تشكل مواقفُها البطلَ، وتجسد حياته الموغلة في الآدمية، وتَنحِت له بين أنفاق الشدة مخارجَ الفَرَج، وترسم له طريق النجاة بين أكوام الشوك والعواصف، تصنعه وكأنه مدفوع دفعًا ليشكل حياته ومصيره ونهايته، لا هو بالمستكين القابع في دير فوق جبل ملتحفٍ بصوف، ينتظر السماء أن تمطر له رزقًا، ولا هو بمتفرِّغ للدنيا يجري فيها جري الوحوش، تستعبده المادة، وتُنسيه مبادئَه؛ إنما هو كائن رَضَع التوكل والعفاف في طلب الرزق، فصار كطيرٍ يغدو أخمصَ ويعود أبطنَ، حتى امتلأت الحوصلة رزقًا، وتدفقت بما جعلت من الفرخ الصغير نسرًا تخشاه الصقور.

 

وبالمقابل، تأتي صورة الجشع، وتلك المادة المغرقة في لججها، والتي تجعل قلب صاحبها قاسيًا مستعدًّا للتنكر لأصله، متلونًا مستقيلاً من الأخلاق، مستعدًّا لقبول أي مساومة في سبيل تحقيق أغراضه، وإرواء غليله للاستزادة منها، وقد يضرب عرض الحائط في سبيل ذلك بكل ما يمكنه أن يقف في طريق تحقيق ما يصبو إليه، فيحمله على ارتكاب الحماقات؛ فيقتل، ويسرق، ويظلم، ويستبد بالحقوق.

 

ثم يأتي ذلك الوازع يعيد للنفس البشرية توازُنَها، يذكِّر النبتةَ الخبيثة النكدة أن أصلها كان طيبًا، وتربتها كانت خصبة، ومشربها عذبًا؛ فتنكرت لأصلها، واختارت حياة الدون، يضرب على أيادي الظلم كيفما كان، ويدعو إلى السماحة واللين، وطرد الغل المتمكن من النفوس الضعيفة.

 

قد يكون ذلك الوازع ضميرًا حيًّا مترقبًا، وقد يكون رجلاً شيخًا كبيرًا مغرقًا في الحنكة، أو طفلاً صغيرًا بريئًا مليئًا على صغرِه حكمةً، أو صديقًا وضعتْه الأقدار في طريقك؛ لكي يكون لك صمام الأمان، أو ابنًا من الصلب، لكن شكَّلته الأقدار بما يخالف طبع أبيه وذويه، فكان إبرة الميزان، والمحور المُعِيد للتوازن.

 

هذه هي المفارقات والتوازنات في رواية "حجر الكحل"، إنها حروف القدر ترسم النهايات، حتى إذا ما وثقنا بجدلية الأسباب والنتائج، جاءت الموانع، وجاءت الخواتيم بما لم نتوقَّعه، وبما لا يتوافق مع ما هيأنا لها من محفزات وأراضٍ خصبة لتحقيقها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة